هذا الكتاب
وداعاً..
أمد يدي وأمسك مزلاج الأرض لأفتح الباب وأمضي، غير أنني أتردد لحظة صغيرة على العتبة النيرة: عيناي وأذناي وأحشائي تجد أنه من الصعب، وأنه لمن أقسى الأشياء، أن تسلخ نفسها عن حجارة العالم وعشبه. يستطيع المرء أن يقول لنفسه إنه مكتف وإنه ينعم بالهدوء والسلام. ويستطيع القول إنه لم يعد يحتاج لشيء، وإنه قد أدى واجبه وإنه مستعد للرحيل، لكن القلب يقاوم، يتمسك بالعشب ةالحجارة ويتوسل: "ابق قليلاً"..
وأجاهد قلبي وجعله ينسجم مع إعلان الموافقة بحرية. يجب أن يغادر الأرض ليس كعبيد ممزقين ومجلودين، بل كملوك ينهضون عن المائدة وهم ليسوا في حاجة لشيء، بعد أن أكلوا وشربوا حتى الامتلاء، ولكن القلب مايزال يخفق داخل الصدر ويقاوم صارخاً: "ابق قليلاً"...
أبقى، وألقي نظرة على الضوء.. هو الآخر يقاوم ويصارع كقلب الإنسان. الغيوم قد غطت السشماء، ورذاذ دافئ يتساقط على شفتي، ورائحة الأرض تعبق، ويصدر عن التراب صوت حلو مغو: "تعال.. تعال..تعال".