هناك صورة لدولوز، جذرية ومعتدلة، معزولة ولطيفة المعشر، حياتية وديمقراطية في آن معاً. بل إن البعض يذهب عادة إلى القول بأن عقيدته تدفع نحو تعددية الرغبات غير المتجانسة وتوصلها إلى ذروتها بلا عقبات؛ وبأنها تحترم وتؤكد على الفوارق؛ وبالتالي تشكل نقداً مفهومياً للكليانية، وذلك ما يشير إليه بقاء دولوز، في هذه النقطة، التي لا يمكن مقارنتها حتى مع فوكو، بعيداً عن الإلتزامات الستالينية والماوية. كذلك يفكر بعضهم بأنه ظل محافظاً على حقوق الجسد ضد التقعيدات الإرهابية؛ ولم يتنازل بأي شيء لعقل المنظومة، ويدعو دائماً نحو المنفتح، الحركة، والتجريبية التي لا تخضع لمعيار قائم سلفاً. كما ظل ثابتاً، عبر منهجه الفكري، الذي لا يقر سوى الحالات والتفردات، في وجه التجريدات الديالكتيكية الساحقة. كما يدعي قسم آخر بأنه يساهم في "التفكيكية" الحداثوية (بعد حداثوية)؟، ما دام أنه يؤسس نقداً حازماً للتمثيل، ويضع معنى المنطق في مكان البحث عن الحقيقة، كما أنه يحارب المثاليات المتعالية باسم المحايثة الإبداعية للحياة، وباختصار: يرمي بحجرته في حطام الميتافيزيقيا، أو "قلب الأفلاطونية"، عبر ترقيته لنواميس البداوة في تفعيل الأمور العابرة، ضد نواميس المدينة للجواهر، وللسلاسل المتباعدة، والإبداعات المباغتة. كذلك يجد البعض ذلك التأكيد على الحداثة ما بعد الميتافيزيقية، متمثلاً بمراجعه اللطيفة للرسامين (باكون)، والكتاب (بروست، ملفل، لويز کارول، بيكيت...)، وانحرافات الرغبة (ساشر مازوخ)، والفلاسفة غير المتوقعين (وياتهد، تارد، دنيس سكوت...)، والرياضيين المجازيين (ريمان)، وما لا حصر له من السينمائيين، بل وحتى كمية كبيرة من غير المعروفين (لكن ليس من قبله)، والمقالات والكتيبات حول قضايا غامضة، أعاد التفكير بها ثانية وجعلها تتألق، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالسوسيولوجيا أو البيولوجيا، الإستطيقية أو التعليمية، الألسنية أو التاريخية، أجل، لقد ذكر كل ذلك بغتة، ضمن لحمة إثباتية متلوية، وبعيدة في الظاهر عن تحذيرات وقوانين الجامعة الفلسفية.